الظلم والمظلومين: أقوال وحكم

أقوال عن الظلم والمظلومين

يُعدّ الظلم من أسوأ الآفات الاجتماعية والأخلاقية التي تهدد استقرار المجتمعات وتفتك بالقيم الإنسانية، إذ يشكّل اعتداءً صارخًا على حقوق الإنسان وكرامته، سواء في مستواه الفردي أو الجماعي. فالظلم ليس مجرّد فعل آني ينتهي بحدوثه، بل هو جرحٌ عميق في الذاكرة الجماعية، وندبة تبقى في النفس يصعب محوها. المظلوم هو إنسان حُرم من حقه، وأُهدر جهده، وتعرّض لإجحاف لا يستحقه. لهذا، حظي الظلم باهتمام كبير في التراث الديني، والفكر الإنساني، والأدب العالمي، فجاءت الأقوال والحكم التي تناولته بمختلف اللغات والثقافات، تدين الظالم، وتُعلي من شأن المظلوم، وتبشّره بالعدل الآتي ولو بعد حين.

الظلم في الفهم الأخلاقي والديني

منذ القدم، كان للظلم مكان بارز في الأديان السماوية التي اعتبرته من الكبائر. ففي الإسلام، وردت آيات كثيرة تحذّر من الظلم وتبين سوء عاقبته، منها قوله تعالى: “ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار” (إبراهيم: 42). والحديث النبوي الشريف الذي قال فيه رسول الله ﷺ: “اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة”، يدلّ بوضوح على فداحة هذا السلوك وتبعاته الأبدية. في المسيحية، يعتبر الظلم خرقًا للمحبة التي تمثّل جوهر العقيدة، بينما في التوراة يُعدّ الظالم خصمًا لله ذاته.

الظلم لا يتوقف عند حدود الدين، بل يدخل في صميم الأخلاق الإنسانية. في فلسفة أفلاطون، العدل هو الفضيلة الأساسية للدولة المثالية، والظلم هو انحراف عن هذه القاعدة. أما أرسطو، فقد ميّز بين العدالة التوزيعية التي تتعلق بالمساواة، والعدالة التصحيحية التي تتعلق بإصلاح الأضرار، فكلاهما يتناقض مع الظلم، ويهدف إلى إعادة التوازن.

الظلم عبر التاريخ: ظاهرة متكررة

شهد التاريخ البشري عبر العصور صورًا عديدة من الظلم: من استعباد البشر في الإمبراطوريات القديمة، إلى محاكم التفتيش في العصور الوسطى، إلى الاستعمار الحديث الذي سلب الشعوب أوطانها وخيراتها. الظلم لم يكن حكرًا على الحكّام فقط، بل مارسته جماعات وأفراد، وصار أحيانًا مؤسسيًا تمارسه الأنظمة باسم القانون.

في الثورة الفرنسية، كانت مقولة “الحرية، المساواة، الإخاء” نداءً ضد ظلم الطبقات الأرستقراطية. في جنوب إفريقيا، ناضل نيلسون مانديلا لعقود طويلة ضد التمييز العنصري الذي مثّل أحد أبشع أشكال الظلم المؤسسي. في الهند، خاض غاندي كفاحًا سلميًا ضد الاستعمار البريطاني الذي أرهق البلاد بالقوانين الجائرة والاستغلال الاقتصادي.

من أقوال الحكماء والفلاسفة عن الظلم

عرفت الإنسانية عبر العصور أقوالًا خالدة أدان فيها المفكرون والفلاسفة والساسة والشعراء الظلم ووقفوا إلى جانب المظلومين. ومن أبرز هذه الأقوال:

• “الظلم الذي يُمارس في أي مكان هو تهديد للعدل في كل مكان” – مارتن لوثر كينغ.

• “حين يسكت أهل الحق عن الظلم، فإنهم يمنحون الباطل ترخيصًا مؤقتًا” – علي الطنطاوي.

• “المظلوم إذا صبر فإنما هو يزرع لأيام قادمة لا بد أن يحصد فيها حقه ولو بعد حين” – جبران خليل جبران.

• “العدل أساس الملك، والظلم مَعرَضة للزوال” – عمر بن الخطاب.

• “لا ينام المظلوم في انتظاره للعدل، كما لا ينام الظالم في خوفه من العقوبة” – توفيق الحكيم.

• “الظلم لا يبني دولة، ولا يؤسس حضارة، بل يمهد لانهيار كل شيء” – عبد الرحمن الكواكبي.

أشكال الظلم في الحياة اليومية

الظلم ليس مقصورًا على الحروب والانقلابات أو القرارات الكبرى، بل يظهر كذلك في تفاصيل الحياة اليومية. الموظف الذي يُحرم من الترقية بسبب المحسوبية، الطالب الذي يُهمَّش بسبب خلفيته الاجتماعية، العامل الذي يُستغل أجره، المرأة التي تُحرم من حقها في الميراث، كل هؤلاء يعيشون في بيئة يغلفها الظلم بصمت قاتل.

الظلم الأسري، مثل تفضيل أحد الأبناء على الآخر، أو ممارسة العنف ضد الزوجة أو الأطفال، يؤدي إلى نتائج نفسية وخيمة. الظلم في المدارس، حين يُهمّش بعض الطلبة بناءً على مظهرهم أو مستواهم الاجتماعي، يزرع فيهم الشعور بالدونية. والظلم الإعلامي، حين يُشوَّه وجه الحقيقة، أو يُقصى صوت المظلومين، هو ظلم يتخذ شكلاً معاصرًا من القمع الناعم.

المظلوم في الثقافة الإنسانية

صورة المظلوم في الأدب والفن ظلت حاضرة بقوة. في رواية البؤساء لفيكتور هوغو، يتجسّد الظلم في شخصية جان فالجان الذي عانى من القهر المجتمعي بسبب سرقته لرغيف خبز. في الشعر العربي، كانت قصائد المتنبي والمعري ومحمود درويش تنبض بإحساس المظلومين، بينما في المسرح شكّل المظلوم جوهر العديد من التراجيديات الإنسانية.

السينما العالمية كذلك لم تغفل هذا الموضوع، إذ تناولت أفلام عديدة قصص المعذبين في الأرض، الذين رغم ما قاسوه، صمدوا في وجه الجور. مثل فيلم Schindler’s List الذي روى معاناة اليهود خلال الهولوكوست، وفيلم The Pursuit of Happyness الذي أظهر رحلة كفاح رجل فقير تعرض للظلم المجتمعي لكنه انتصر في النهاية.

الجدول التالي يوضح أنواع الظلم ومظاهره وتأثيراته:

علاج الظلم ومقاومته

مكافحة الظلم تبدأ من التربية، فمنذ الصغر يجب غرس قيم العدل والإنصاف في نفوس الأطفال. يجب أن تكون الأنظمة القانونية في الدول شفافة وعادلة ومستقلة، ويجب أن تُمنح المؤسسات الإعلامية حرية التعبير لكي تفضح الظلم ولا تتواطأ معه.

الوعي الجماهيري عامل حاسم، إذ لا يمكن لأي ظلم أن يستمر إذا وُوجه بوعي جمعي يرفض الخنوع. كذلك، فإن منظمات حقوق الإنسان العالمية، على الرغم من تحفّظات كثيرة حول أدائها، تظل أدوات فعّالة في تسليط الضوء على انتهاكات الظالمين ومناصرة المظلومين.

من جانب آخر، فإن الصبر الذي يتحلّى به المظلوم لا يعني الخضوع، بل هو انتظار واعٍ للحظة الانتصاف، فـ”دعوة المظلوم لا تُردّ”، كما أخبرنا النبي ﷺ، وهي محفوظة في السماء، ولو طال بها الزمن.

الأثر الباقي للظلم والمظلوم

الظلم لا يزول بمجرد زوال فاعله، إذ يخلّف آثارًا بعيدة المدى على الأفراد والمجتمعات. المظلوم لا ينسى بسهولة، وإن غفر، فإن الندبة تظل. لذلك، العدالة الانتقالية بعد الثورات أو التحولات الكبرى، ضرورية لمداواة جراح الماضي. الاعتراف بالظلم، وتقديم الاعتذار، وجبر الضرر، هي خطوات حقيقية في مسار التصالح.

المجتمعات التي أنصفت مظلوميها، وواجهت ظالميها، كانت أكثر استعدادًا للنهوض من جديد. أما تلك التي تغاضت أو تواطأت، فكان مصيرها مزيدًا من الفوضى والانهيار.

خاتمة تحليلية

الظلم من أخطر الأمراض الاجتماعية التي تهدّد الاستقرار والعدالة، ولا يمكن بناء حضارة إنسانية تقوم على أساسه. فحيثما وُجد الظلم، سقطت الثقة، وانهارت القيم، وبرزت الانقسامات. لا يمكن تجاهل صوت المظلوم، ولا كتم صرخته، فصدى الظلم يتردد في كل ضمير حي. وإذا كان التاريخ قد وثّق فظائع الظالمين، فإنه أيضًا خلد صبر المظلومين وبطولاتهم، لأنهم حملة القيم الحقة، ورمزٌ لانتصار العدل ولو بعد حين.

المراجع:

1. الكواكبي، عبد الرحمن. طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد. مكتبة النهضة، القاهرة.

2. هوغو، فيكتور. البؤساء. ترجمة حافظ أبرهيم، دار المعارف.